إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 13 نوفمبر 2016

على الطريق قصيد الأستاذ الشاعر/ أحمد المتوكل علي النعمي

على طول الطريق

فـي منـظـر بـمـرابـع الـخــلان ... مـتألـق يـجـلو صـدا الأجـفـان
سحر الطبيعة بالجمال يشدني ... و يذيـبني في سـالـف الأزمان
زمن تألق بالطـهارة و الـصفا ... لـم يمـتزج بالـظـلم و الأضغان
فهـنا نشـأت و لا أزال مغــردا ... بمـلامح تقـضي على الأحـزان
و هنا بدأت حكايتي و فصولها ... بـين العـروج برفـقة الإخـوان
بين الأراك و كـنت أسعـد حالم ... بطـفولتي في العـالم الحـيران
فـي قـريـة تحـلـو بـواد عـامـر ... بالأثـل و الأطــيـار و الأفــنان
ماء الجـداول كالنمـير ترقـرقت ... أمـواجـه بحـثا عن الـشـطـآن
و تعـطفت مثل السوار و خددت ... واد فـصار كـمــترع سـكـران
و تألـقـت عبر الحـقول بسحرها ... و تمـايلت كـتمايل النـشـوان
و سرى النسيم بهفهفات عانقت ... قـلـبـا بأضـلـع حــالـم فـنـان
و تعـانقـت كـتل الغـيوم و تـربة ... عـبر الجـمـال بـوابـل هـتـان
رسم الجمال على الطبيعة منظرا ... صيغـت مفـاتنـه من الإتـقان
و النفس تطمح للبعـيد تتوق في ... حـب تجـيـد مـدائح النعـمـان
و الصحب في هذا النسيج تجمعوا ... في موكـب يخلو من الأنان
نشرت بضاعتهم و كان وراءها ... حـب يجـول بطـرفـه السـهران
يتناوبون بطـرح أشـجان الهوى ... طـرحـا بأجـمل قـصة و بيـان
بـبـيـان أسـتاذ و قـصة شـاعــر ... لم نقـصـها بـدوافـع الـنـسـيان
فخذوا المشاعر و الشجون قصائدا ... جاشت ببعض لواعج الأشجان

***********

يا أيها الجـمع الـكـريم سـلامـة ... لـمـراتع الأحـباب في الأوطـان
فـيكم و إن عـز الزمان بمثلكم ... من عاصر الماضي فليس يعاني
عاصرتم الجيل الجميل و فيه من ... أرداه شؤم الحـقـد و الـشنآن
ماذا جرى حتى تعـاظم مكـرهم ... و تساقطوا في الحقد في نكران ؟
قوموا معي و دعوا الخلاف و سافروا ... بقلوبكم في الحب و العرفان
قوموا معي كي نستعـيد شواهـدا ... ممـا مـضى فـي ذلك الـمـيدان
قد عشعشت ذكرى الدروب بحلوها ... و بمرها في أنفـس و مغـان
هزت قـلوب الحانقـين بصفوها ... و هفت بنضرتها على الأغصان
مـنها بنينا فـي الـزمـان معـالـما ... لـم تنـدثـر بـتـقـارب العـمـران

***********

هـيا نـشـاهـد مـا بـنـى آبـاؤنـا ... مـجـدا يـضئ بـشـامـخ الـبنيـان
فهـنا نقوش الجـد يعـلو رسمها ... لم تسـتنـد يـوما على حـيـطـان
عـاش الكـفاف و جـلنا متنعـم ... و رأى العـذاب و لم يكن متواني
و قع الفقيد على الزراعة مغرما ... و بها يفـر الشهم من خـسران
و بها استقام على البسيطة معلم ... متماسك صلب عـظيم الـشـان
نقش الصلابة في الحياة فأذعـنت ... لـمـشـاهـد قـد خـطـها بـبنـان
و لـقـد يمـر اليـوم فـي أعـطـافـه ... مـرض يـقـربـه مـن الأكـفـان
لـكــنـه يـغـشـاه دون تـراجــع ... و يعـود فـي فـخـر إلى الإخـوان
و يمزق الفـقر المحـيط بعـزمه ... و يمـيت حـر الـقـيظ في نـيران
جدي أتبصر ما هـنا من طـفرة ... تسعى لطـمس شـعائر الإيمان ؟
أولـيس يخـطو للـضياع مغـفـل ... يسعى إلـى الـدنيا بـكل هـوان ؟
فلم التنافس في الـدنا أزرى به ... و لم الجنون يخط في السندان ؟

***********

و هـنا أبي ما زال يحيي بيننا ... نور الهدى عبر الزمان الـفاني
يحكي لنا قصص التلاحم عبرة ... لـنـظـل في بعـد عن الهجـران
ما زال ينـسـج كـل يـوم قـصة ... تـبني و قـولا جـاد بالـسـلـوان
ما زال يهوى و القريض مسخر ... لـيراعـه بحـمـاسـة الـشـبان
و هـنا سـيبقى في جـمال تقاعـد ... متألـقـا و يجـيـش بالألـحان
أبتاه مر الدهـر في وادي الغضى ... متأنـقا في لحـظة استحسان
و مضى سريعا لم يكن في حسنه ... إلا كـبرق جــاء بالإحـسـان
و مضى كأن زمـاننا مـا كان فـي ... تـلك الــربـى إلا كـزرع فـان

**********

و اليوم تحـتفل القـلوب بشاعـر ... أغـنى بحـار الحـب بالأوزان
غنى لنا و شدا و عـاش مغـردا ... رغـم الـذي عـاناه فـي أركان
أعـطى الـعـلوم بمهـجة تـواقـة ... للعـلم وقـت تـصارع الحـيتان
و رعى العقول بخصلة محبوبة ... جـذابة تنـساب فـي الـوجـدان
ساس النفوس بحكمة يسمو بها ... عـما يخـالـطـها من الخـذلان
قـد بات في حـلل الكـرامة رافـلا ... يعـلي بناء الـمجـد بالـمـيزان
قـاسى الهموم فـلم تزده تهافـتا ... فـوق الحـطام و كان للإخـوان
سـدا يقـيهم مـا يشـوه سعـيهم ... مـن حـقد موتور و لـؤم جـبان
و صفت نفوس الناس حين توجهت ... لطريقه و خلت من الأدران
دانت لـه الآلام حـين قـضـى بهـا ... وطـرا يقـربها مـن الخـسـران
و سما إلى العلياء حين أتى على ... أعتى الصروف ككاسح الطوفان
فأذاب بؤس الليل في عمق الضحى ... و رمى بداء الجهل في القيعان
ربى عـقول النشء فانطـلقـت إلى ... قـمم الـمعـالي دونـما أشـطـان
كم عاش للعـلم الجليل و نوره ... و شكى نضوب الصدق في أحيان

***********

قـل لي أبي عن ذكـريات لم تزل ... نهـجـا يفـيد مجـامـع الأعـوان
فـيها اجـتـمعـنا فـانتهـت آلامـنا ... و غـدت كآمـال ظـللـن دواني
ما زلت قـلبا نابـضا و إن ادعى ... من يـدعي بسـذاجة الحـمـلان
ما زلت طودا شامخا رسم الصمـ ... ـود على البلاء بريشة الفنان
ما زلت رمزا في الحـياة لقاصد ... سبل العـلا بالحـب و الإحسان
ما زلت شيخا يقـتدي بك تابع ... و يراك ضوء الهدي في الإيوان
ما زلت صدرا حـانيـا لا يبتغي ... إلا الـوفـا فـي السـر و الإعـلان

***********

و هنا الحبيبة في الدلال تبخترت ... و رعـت قـطيع نعـاجها بتفاني
حملت صنوف الحسن حين تحاملت ... شمس الجنوب على غصين البان
نـبتـت بأخـلاق الـحـياء و أذهـلـت ... بـعـفـافـها و مـقـالـهـا الـرنان
بسمت فـذاب القـلـب حين تبسمت ... و رنت لها الأنسام في إذعـان
مـا ضـرهـا تعـب يعـفـر وجـهـها ... كـلا و لا مـالـت إلـى نـقـصـان
حازت جمالا في الحديث فصاغها ... بيت القصيد و أسكـنت بجـنان
و لقـد قـلاهـا مـا يعـكـر حـسـنها ... و مـضت لـكي قـلـوبنا بحـنـان
عـينان إن نظرت سقـطت مضرجا ... فـيها فـألهـبت الهـوى عـينان
و الخـصر رق مـلاحة و عـليه ما ... هـز الـقـلـوب بألطـف الـرمان
سأظـل يا أخـت الـضياء مـتيـما ... و أحار في وجـه الـذي يلـقـاني
أأقـول إن الـمـاء حـين تـرقـرقـت ... أنــداؤه كـحــديـثهـا الـفــتـان ؟
أأقـول إن الــــدر زان مـنــضـدا ... و لآلآ فــاقــت عـلى الأسـنـان ؟
لا و الذي فـلق الحـبيبة و الـذي ... برأ النسـيمة لست من أغـواني
و لأنت من أحيا هوامد عشقي الـ ... ساري إليك و أنت من أحياني
و لأنت أثـمـن ما سعـدت بنظـرة ... منها و ليـس من التـقى بأناني
بجـمـالها و دلالـهـا و عـفـافـهـا ... و حجابها فـازت عـلى الأقـران
و أرى الذي بذل العهود لوصلها ... حـاز الـسـرور بأصدق الأثـمان

***********

عـذرا صحابي بالكلام عـلى التي ... مـلـكـت و لم تتبع هـوى الآذان
و أعود في وصف الجمال بقريتي ... بعد الحديث عن الحبيب الداني
ما زلت أقـتطع الـدروب مسـربلا ... بقـناعـتي و بها الرضى يغشاني
لم أخش ظـلماء الحـياة و بؤسها ... و غـريقها اللاهي ببعض دخان
كـلا و لا سـلـمـت أمــري سـادرا ... فـي سـحـرهـا و لـجـأت للــديان
و نصحت مجنونا بها و طفقت في ... غزو الشرور بأدرعي و سناني
و مضيت فـيها صادقـا و هـنا أبي ... يـثري الـحـيـاة بـخـبرة الـربان
فــإذا شـعــرت بـأنـني مــتــوتـر ... فـي ســاعـة تـسـود فـي ألـواني
يمـمـت وجـهي للجـمال لأخـتـلي ... بالنـفـس أجـلـو حـيرة الحـيران
و أرى ورودا في الـربيع و أبتدي ... لحـنا يجـمل فـي الـدنا ألحـاني
غنى النسيم بسحـرهـا فـرنت له ... فهفى لها و هـفت عـلى الأفـنان

***********

يا كـل أوديـة المحـاسـن لـم أزل ... أهـوى الحـياة تموج بالـتحـنان
أهـوى العـشـية كـم أروم حـكاية ... مـنهـا تفـجـر طـاقـة الـوسـنان
إني عـلى طـول الـطـريـق مـتـيـم ... بـمــبـاهـج زانـت بـكـل مـكـان
تتسكـب الأنـوار بـين جـوانحي ... و جوانحي في الساقيات عـواني
يا بعـض أيام الـزمان تـمـهـلـي ... لـتري جـمـال الـروح فـي أردان
كي تبصري هذي الجموع بنخلة ... يحـلـو بهـا و جـمـالها عـيـدان
كي تبصري الأفراح في قسماتهم ... و حـلاوة الأعـياد فـي الأكـوان
سأظل أعـزف قـريتي لحـنا على ... وتر الهـوى كالمغـرم النـشـوان
سأظل أنـشد للسـحـاب قـصائدي ... و الغـيث يغمر قـريتي و كماني
سأظل أذكـر أرضها و سـماءهـا ... حتى يموت النبض في شـرياني
سأظل أذكـر شـيحها و خـزامها ... عـطرا تـضوع فـي رؤى ولهـان
سأظل أذكـر فـلها و خـطـورهـا ... سحـرا تبـدى في رؤوس حـسان
سأظل أذكـر شـيبها و شـبابهـا ... و صغارهـا و أثـير بعـض معـان
سأظل أذكـر هـالـكا تـرك الربى ... و من انتهى في قـبضة الـسجان
سأظل أذكـر والـدا فـي عـطـفـه ... و هــيـامـه فـي قــريـة و مـغـان
سأظل أذكـر أمــره بالـخـير فـي ... تـوجـيهـه و الـنـهـي إذ ينهـاني
عـذرا على طـول القصيد و إنني ... بالـحـب أتـركـكـم بلا اسـتئـذان

الطائرالجريح
أحمد المتوكل بن علي النعمي
جازان - حرجة ضمد
25 – 10 – 1416 هـ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق